الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
كرر أن تأكيدًا للأعمال والجزاء عليها.المسألة الرابعة:أولئك خبر إن وإنا لا نضيع اعتراض ولك أن تجعل إنا لا نضيع وأولئك خبرين معًا ولك أن تجعل أولئك كلامًا مستأنفًا بيانًا للأجر المبهم واعلم أنه تعالى لما أثبت الأجر المبهم أردفه بالتفصيل من وجوه: أولها: صفة مكانهم وهو قوله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} والعدن في اللغة عبارة عن الإقامة فيجوز أن يكون المعنى أولئك لهم جنات إقامة كما يقال هذه دار إقامة، ويجوز أن يكون العدن إسمًا لموضع معين من الجنة وهو وسطها وأشرف أماكنها وقد استقصينا فيه فيما تقدم وقوله: {جنات} لفظ جمع فيمكن أن يكون المراد ما قاله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ويمكن أن يكون المراد أن نصيب كل واحد من المكلفين جنة على حدة وذكر أن من صفات تلك الجنات أن الأنهار تجري من تحتها وذلك لأن أفضل المساكن في الدنيا البساتين التي يجري فيها الأنهار.وثانيها: إن لباس أهل الدنيا إما لباس التحلي، وإما لباس التستر، أما لباس التحلي فقال تعالى في صفته: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} والمعنى أنه يحليهم الله تعالى ذلك أو تحليهم الملائكة وقال بعضهم على كل واحد منهم ثلاثة أسورة سوار من ذهب لأجل هذه الآية وسوار من فضة لقوله تعالى: {وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} [الإنسان: 21] وسوار من لؤلؤ لقوله تعالى: {وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23]، وأما لباس التستر فقوله: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَاسْتَبْرَقٍ} والمراد من سندس الآخرة واستبرق الآخرة والأول هو الديباج الرقيق وهو الخز والثاني هو الديباج الصفيق وقيل أصله فارسي معرب وهو استبره، أي غليظ، فإن قيل: ما السبب في أنه تعالى قال في الحلي: {يُحَلَّوْنَ} على فعل ما لم يسم فاعله وقال في السندس والاستبرق ويلبسون فأضاف اللبس إليهم، قلنا: يحتمل أن يكون اللبس إشارة إلى ما استوجبوه بعملهم وأن يكون الحلي إشارة إلى ما تفضل الله عليهم ابتداء من زوائد الكرم.وثالثها: كيفية جلوسهم فقال في صفتها متكئين فيها على الأرائك.قالوا: الأرائك جمع أريكة وهي سرير في حجلة، أما للسرير وحده فلا يسمى أريكة.ولما وصف الله تعالى هذه الأقسام قال: {نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} والمراد أن يكون هذا في مقابلة ما تقدم ذكره من قوله: {وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}. اهـ.
الثاني: أنه الحرير المنسوج بالذهب، قاله ابن بحر.{متكئين فيها على الأرائك} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنها الحجال، قاله الزجاج.الثاني: أنها الفُرُش في الحجال.الثالث: أنها السرر في الحجال، وقد قال الشاعر: اهـ.
قال الزجاج: ويجوز أن يكون خبر {إن} في قوله: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا} لأن المحسنين هم المؤمنون فكأن المعنى: لا يضيع أجرهم.قال القاضي أبو محمد: ومذهب سيبويه أن الخبر في قوله: {لا نضيع} على حذف العائد تقديره، {من أحسن عملًا} منهم، والعدن: الإقامة، ومنه المعدن، لأن حجره مقيم فيه ثابت، وقوله: {من تحتهم} يريد من تحت غرفهم، ومبانيهم، وقرأ الجمهور: {من أساور} وروى أبان عن عاصم {أسورة}: من غير ألف، وبزيادة هاء. وواحد الأساور إسوار، حذفت الياء من الجمع لأن الباب أساوير، وهي ما كان من الحلي في الذراع. وقيل {أساور} جمع إسورة، وإسورة جمع سوار، وإنما الإسوار بالفارسية القائد ونحوه ويقال في حلي الذراع أسوار، ذكره أبو عبيدة معمر ومنه قول الشاعر: الرجز: أنشده أبو بكر بن الأنباري حاشية في كتاب أبي عبيدة، والسندس: رقيق الديباج، والاستبرق ما غلظ منه، وقال بعض الناس هي لفظة أعجمية عربت، وأصلها استبره، وقال بعضهم بل هو الفعل العربي، سمي به فهو استبرق من الريق فغير حين سمي به بقطع الألف، ويقوي هذا القول أن ابن محيصن قرأ: {من سندس وإستبرق} فجاء موصول الهمزة حيث وقع ولا يجزمه، بل بفتح القاف، ذكره الأهوازي، وذكره أبو الفتح، وقال هذا سهو أو كالسهو و{الأرائك} جمع أريكة هي السرير في المجال، والضمير في قوله: {وحسنت} للجنات وحكى النقاش عن أبي عمران الجوني أنه قال: الاستبرق الحرير المنسوج بالذهب، وحكى مكي والزهراوي وغيرهما حديثًا مضمنه أن قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآي فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: «أعلم قومك أنها نزلت في هؤلاء الأربعة، وهم حضور». اهـ.
والاستبرق: غليظ الديباج، فارسي معرَّب، وأصله إِسْتفْرَهْ.وقال ابن دريد: إِستَرْوَهْ، ونقل من العجمية إِلى العربية، فلوا حُقِّر {إِستبرق}، أو كُسِّر، لكان في التحقير أُبَيْرِق، وفي التكسير أبارق بحذف السين، والتاء جميعًا.قوله تعالى: {متكئين فيها} الاتّكاء: التحامل على الشيء.قال أبو عبيدة: والأرائك: الفُرُش في الحِجَال، ولا تكون الأريكة إِلا بحَجَلة وسرير، وقال ابن قتيبة: الأرائك: السُّرُر في الحِجال، واحدها: أريكة.وقال ثعلب: لا تكون الأريكة إِلا سريرًا في قُبَّة عليه شَواره ومتاعه؛ قال ابن قتيبة: الشَّوار، مفتوح الشين، وهو متاع البيت.وقال الزجاج: الأرائك: الفُرُش في الحِجال.قال: وقيل: إِنها الفُرُش، وقيل: الأسِرَّة، وهي على الحقيقة: الفُرُش كانت في حِجال لهم. اهـ.
|